التمييز ضد المرأة في المملكة العربية السعودية

التمييز ضد المرأة في المملكة العربية السعودية
المؤلفة: مريم الدوسري
رويال هولواي، جامعة لندن.
الخلاصة:
منذ إعلان رؤية 2030 في عام 2016، قدمت السعودية للعالم الغربي تصورًا تنمويًّا للتقدم والحداثة، مع التركيز بشكل خاص على التقدم المزعوم في مجال تمكين المرأة. وقد نالت هذه السردية، التي صاغها نظام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعناية، إشادة دولية بالتغييرات التي حدثت مثل رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة والتعديلات في قوانين الولاية. لكن ما كان خلف هذه الواجهة واقع مؤلم من غياب المساواة والتمييز ضد المرأة.
تستعرض هذه الورقة البحثية التناقضَ القائم بين جهود الإصلاح التدريجي في السعودية والواقع القاسي الذي لا تزال المرأة تعانيه داخل السعودية. فعلى الرغم من بعض المؤشرات الرمزية للتغيير، مثل إصدار قانون الأحوال الشخصية في اليوم العالمي للمرأة، لا يزال التقدم المطلوب بعيد المنال. ولا تزال المرأة تواجه صعوبات حقيقية في ظل القوانين المقيِّدة وتواجه العواقب إذا دافعت عن حقوقها، كما يتضح في اعتقال عدد من الناشطات. كما ستناقش الورقة أيضًا المحاولات الرمزية التي تبذلها السعودية لرفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل وتعيينها في مناصب حكومية بارزة. إلا أن هذه الإصلاحات كثيرًا ما تغطي على قضايا أعمق تتعلق بالاستغلال وغياب التمكين الحقيقي. كما تبحث الورقة البحثية بشكل نقدي في الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه الإصلاحات، مسلطة الضوء على العبء غير المتكافئ الواقع على عاتق النساء خاصة في الوظائف منخفضة الأجر وغير المستقرة. علاوة على ذلك، تتحدى الورقة البحثية الروايات الغربية السائدة التي غالبًا ما تصور المرأة السعودية إما كضحية سلبية أو كنموذج استثنائي، متجاهلة تعقيدات النضال النسائي المحلي.
وتخلص الورقة إلى أن التمكين الحقيقي يجب أن ينبثق من وعي المرأة بذاتها ونشاطها المجتمعي المستمر، وليس من المراسيم التي تُصدرها الدولة من أعلى الهرم إلى أسفله.
منذ إطلاق رؤية 2030 في عام 2016، سعت السعودية بحماس إلى تقديم صورة حديثة ومتقدمة أمام المجتمع الدولي، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة. وقد شملت هذه التطورات التي جاءت بدعم من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلغاء الحظر على قيادة المرأة للسيارة[1] وتعديلات على قوانين الولاية[2]، والتي حظيت بإشادة عالمية واسعة النطاق. ورغم هذه الخطوات لا تزال هناك تحديات كبيرة على صعيد تحقيق المساواة بين الجنسين وسط استمرار أنماط من القمع المنهجي العميق الجذور. وتسعى هذه الورقة البحثية إلى تحليل الفجوة بين الإصلاحات المعلنة والواقع اليومي الذي تعيشه النساء في السعودية.
في إطار رؤية 2030[3]، التي أُعلن عنها في عام 2016، وضعت الحكومة السعودية خارطة طريق استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. وتسعى رؤية 2030، التي وُضعت بالتعاون مع شركة الاستشارات العالمية ماكنزي، في محاولة لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل، إلى جانب تحديث إطارها المجتمعي. أسهمت مشاركة "ماكنزي" في منح الخطة طابعًا من الاحترافية والخبرة العالمية، لكنها في الوقت ذاته أثارت جدلًا حول مدى تأثير الجهات الخارجية على رسم السياسة المحلية[4]. وقد انتقد باحثون مثل مضاوي الرشيد هذه الشراكة، مشيرين إلى الطابع التكنوقراطي للإصلاحات ومشككين في استدامتها في معالجة أوجه عدم المساواة الهيكلية الأعمق[5]. ومن الركائز الأساسية لرؤية 2030 إصلاح النوع الاجتماعي الذي يضع المرأة كعنصر رئيسي للتغيير الاقتصادي والاجتماعي. وتضع الخطة أهدافًا طموحة لتمكين المرأة، بما في ذلك رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30% بحلول عام 2030. ووفقًا لبيانات للهيئة العامة للإحصاء، التحقت نحو 500,000 امرأة سعودية بالقوى العاملة خلال عام واحد من تنفيذ الرؤية. وفي حين تبدو هذه الأرقام واعدة للوهلة الأولى، إلا أن التحليل المتعمق يكشف عن تحديات مستمرة، مثل فجوة الأجور، وضعف فرص الترقي الوظيفي، والقيود الاجتماعية المستمرة التي لا تزال تحدّ من فعالية هذه الإصلاحات.
في ظل التحديات المعقدة التي تواجهها المرأة السعودية في سوق العمل، أدى اعتماد البلاد الكبير على العمالة الأجنبية التي تشكل 51.2% من إجمالي سوق العمل و77.4% من القطاع الخاص، إلى تبني سياسات تهدف إلى تعزيز توطين الوظائف. وقد أعطت هذه السياسات في البداية الأولوية للرجال السعوديين، ولكن في عام 2011، بدأ برنامج "التأنيث" بتشجيع توظيف النساء السعوديات في قطاعات محددة، مثل البيع بالتجزئة، مع فرض وجودهن في وظائف كانت تقليديًّا حكرًا على الرجال، مثل مبيعات الملابس الداخلية[6]. ومع ذلك، حافظت هذه المبادرة أيضًا على الفصل بين الجنسين في مكان العمل من خلال إنشاء أقسام خاصة بالنساء فقط. ومن خلال الإبقاء على الفصل بين الجنسين، تعزز هذه السياسات المعايير المجتمعية التي تقصر أدوار المرأة على مجالات محددة من الاقتصاد، مما يقوض الجهود الأوسع نطاقًا نحو تحقيق المساواة بين الجنسين[7]. وعلى الرغم من الزيادة في أعداد النساء العاملات في قطاعات التجزئة[8]، مع ارتفاع بنسبة 40% في قطاع الأغذية و37% في خدمات الدعم منذ عام 2019، أقرّ المسؤولون الحكوميون بأن برنامج التأنيث واجه صعوبة في دمج النساء بشكل كامل في المجالات التي يهيمن عليها الرجال، وغالبًا ما يتم توظيفهن في وظائف غير منظمة مع ساعات عمل طويلة وأجور منخفضة. ولا تؤدي هذه المناصب إلى إدامة التهميش الاقتصادي للمرأة السعودية فحسب، بل تحد أيضًا من فرصها في النمو المهني والتطور الشخصي. وتعكس هذه الممارسات تبنيًا سطحيًا لمبادرات التمكين التي تفشل في معالجة أو تحدي الفوارق العميقة الجذور بين الجنسين داخل القوى العاملة السعودية، وتؤكد الحاجة إلى سياسات أكثر جوهرية وتحويلية تمكّن المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا بشكل حقيقي، بدلًاً من مجرد زيادة أعدادهن في القوى العاملة.
تولي رؤية 2030 اهتمامًا كبيرًا لتعزيز دور المرأة في مختلف القطاعات؛ وفي الواقع، نفذت الحكومة السعودية سياسات لتفكيك الفصل بين الجنسين الذي تفرضه الدولة في قطاع التجزئة. ويمثل هذا التحول نحو أماكن عمل محايدة بين الجنسين خروجًا عميقًا عن العادات الإسلامية والقبلية التقليدية. إلا أن الإزالة المفاجئة لأماكن الفصل بين الجنسين تجبر النساء على الموازنة بين التفاعل المهني مع زملائهن الذكور وبين الحفاظ على صورتهن العامة وسمعتهن، مع إحجام العديد من العائلات عن السماح لهن بدخول السوق حتى في حالة الحاجة المادية. بعد إزالة الفصل بين الجنسين، تعاني العديد من النساء في هذه البيئات التي يهيمن عليها الذكور من التحرش الجنسي والاهتمام غير المرغوب فيه كجزء من حياتهن العملية اليومية[9]. هذه المضايقات من الزملاء والزبائن الذكور تُعد بمثابة شكل من أشكال المقاومة ضد دمج النساء في هذه البيئات، مما يعزز ويُعمق اختلال موازين القوى السائدة في أماكن العمل الذكورية، بل وتضخيمها. وبالتالي، تُقيَّد النساء في أدوار هامشية ومنخفضة الأجر، مما يزيد من عدم المساواة القائمة ويزيد من اختلال التوازن في علاقات العمل. تسلط هذه الحوادث الضوء على محدودية الاستراتيجيات الحكومية التي، رغم مظهرها التقدمي، تفتقر إلى التزام حقيقي بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. في كثير من الحالات، لا تعد هذه السياسات مجرد حلول محل العاملات المهاجرات غير الماهرات في وظائف غير مستقرة. فهل هذا هو نوع التمكين الذي نحتفل به؟
وفي خضم التسرع في تنفيذ سياسات رؤية 2030، تم الضغط على المؤسسات لتوظيف النساء شريطة وجود حماية كافية لهن؛ وللأسف، تبين أن العديد من هذه التعيينات كانت مجرد تعيينات رمزية. ركز الدوسري وآخرون (2020)[10] على الشركات الغربية متعددة الجنسيات التي تعمل في السياق السعودي الأبوي والتقليدي المستمر. تم توظيف النساء في المقام الأول لتلبية الحصص الحكومية، دون وجود آفاق حقيقية للترقية أو التطوير مع مواجهتهن للتمييز العلني. كان الموقف السائد من المديرين الذكور رافضًا، حيث كان يُنظر إلى المرأة على أنها يجب أن تكون ممتنةً لمجرد حصولها على فرصة العمل.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك سلسلة من "الأوائل" المحتفى بهن من النساء السعوديات التي تم نشرها والاحتفاء بها في وسائل الإعلام الغربية منذ عام 2016[11]. وتشمل هذه الإنجازات أول امرأة سعودية تصبح سائقة سباقات محترفة[12]، وأول امرأة تشارك في الأولمبياد[13]، وأول امرأة تتسلق جبل إيفرست[14]، وأول امرأة تقود طائرة[15]، وأول امرأة تصبح رئيسة طهاة[16]، وأول رائدة فضاء سعودية[17]. وعلى الرغم من أن هذه الإنجازات جديرة بالثناء، إلا أنها تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإنجازات قد تم تنظيمها والترويج لها أساسًا لتلبية النظرة الغربية، وليس كمؤشرات على التقدم الجوهري في المساواة بين الجنسين داخل السعودية. ومن المحتمل أن يؤدي بروز هذه اللفتات الرمزية إلى تشويه التصورات المحلية والدولية للتقدم المحرز في مجال حقوق المرأة في المملكة، وربما يحجب القضايا المنهجية المستمرة التي لا تزال بحاجة إلى معالجة. وقد يؤدي هذا التباين بين التقدم المتصور والتقدم الفعلي إلى إعاقة تطوير سياسات تدعم المرأة وتمكينها بشكل حقيقي على جميع مستويات المجتمع السعودي.
وتماشيًا مع التزام السعودية المعلن بتمكين المرأة، قامت المملكة مؤخرًا بتعيين العديد من النساء البارزات في مناصب حكومية رفيعة المستوى. ومن الأمثلة البارزة على ذلك تعيين أول نائبة لوزير العمل[18]، وأول سفيرة سعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية[19]، بالإضافة إلى مجموعة من النساء اللاتي يتولين مناصب مهمة في الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين[20]. ومن المهم التساؤل عما إذا كانت هؤلاء النساء يمثلن حقًا المرأة السعودية العادية. ففي أغلب الأحيان، تستفيد من مثل هذه التعيينات نساء من الطبقات العليا من أصحاب الثروات والامتيازات. فعلى سبيل المثال، المرأة التي تم تعيينها كسفيرة هي إحدى أفراد العائلة المالكة. وعلى الرغم من ألقابهن الرفيعة، قد تفتقر هؤلاء النساء إلى السلطة والنفوذ الحقيقيين اللذين كان أسلافهن من الرجال يشغلونهما تقليديًّا. ويمكن أن تكون أدوارهن مقيدة بسبب الهياكل الأبوية القائمة والمعايير الثقافية التي تحد من سلطتهن في صنع القرار. بالإضافة إلى ذلك، يثير تركز هذه المناصب بين نساء النخبة مخاوف بشأن شمولية وعمق التزام المملكة بالمساواة الحقيقية بين الجنسين.
وعلى الصعيد الثقافي، تم الاحتفاء عالميًا بإعادة افتتاح دور السينما[21]، واستضافة الحفلات الموسيقية العالمية[22] والمهرجانات[23] التي ترحب بالنساء، وإطلاق أول دار أوبرا في المملكة[24]. ينظر الكثيرون في وسائل الإعلام الغربية إلى السعودية على أنها تدخل مرحلة جديدة تتسم بالانفتاح والازدهار والفرص الهائلة للاستثمار والسياحة. ومع ذلك، تشير مضاوي الرشيد في تحليلها النقدي[25] إلى أن الإدخال السريع للترفيه الثقافي الجماهيري، وخاصة الموجه للشباب، هو مناورة استراتيجية من قِبل ولي العهد لتغيير النظرة إلى الحكومة التي كانت تعرف بماضيها كنظام ديني متشدد، طالما تعرض للانتقادات بسبب تعزيزه للتطرف. تُستخدم هذه الأنشطة الترفيهية لصرف الانتباه عن القيود الاجتماعية والدينية القائمة منذ فترة طويلة. وعلاوة على ذلك، يرى الرشيد أن التوسع في قطاع الترفيه هو إلهاء محسوب مدبر من قبل ولي العهد لإظهار وَهْم الحرية والحداثة. حيث يوظف ولي العهد هذه الفعاليات المدبرة بدقة ومدفوعة بالمشاهد لتلميع صورته كشخصية مشهورة محورية في السعودية، لا سيما بين الشباب، وبالتالي تحويل انتباه الجمهور عن المخاوف المستمرة المتعلقة بحقوق الإنسان. وتتجاوز هذه الإجراءات مجرد الترفيه العام؛ فهي مصممة بعناية لتعزيز المشاعر الوطنية والطاعة، باستخدام الترفيه كأداة قوية للسيطرة السياسية، وقد تكون هذه التطورات أيضًا بمثابة واجهة مصممة لصرف انتباه جيل الشباب - الذي يشكل 63% من السكان دون سن الثلاثين[26] - عن المخاوف المستمرة المتعلقة بحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، استقطب مهرجان "إم دي إل بيست" الموسيقي الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة[27] نجوم الموسيقى العالميين إلى الرياض في محاولة لتسليط الضوء على الصورة الجديدة "المنفتحة" للمملكة، رغم استمرار قمع الأصوات المعارضة. لكن للاستخدام الاستراتيجي للترفيه آثارٌ أوسع نطاقًاً، إذ من المحتمل أن يؤدي إلى استقرار النظام من خلال تلطيف صورته الدولية وتهدئة الشباب المتململ في الداخل. ومع ذلك، يبقى السؤال المهم هل يمكن لهذه الحداثة السطحية الحفاظ على ثقة الجمهور والثقة الدولية على المدى الطويل دون إصلاحات جوهرية؟
وقد اجتذبت الإصلاحات القانونية الرئيسية في السعودية مزيدًا من الاهتمام الدولي الإيجابي، مما أظهر مسؤولي الدولة مرة أخرى على أنهم إصلاحيون تقدميون. ومن أبرز هذه الإصلاحات رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة في عام 2017[28] وتعديل قوانين الولاية في عام 2019[29]، والتي تسمح للنساء فوق سن 21 عامًا بالسفر دون إذن ولي الأمر. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت المرأة قادرة على تسجيل المواليد والزواج والطلاق. كانت هذه التغييرات مدفوعة جزئيًّا بعوامل اقتصادية وضغوط دولية لتحسين صورة السعودية في مجال حقوق الإنسان. ورغم هذه الإصلاحات، لا تزال هناك قيود كبيرة: إذ تظل المرأة غير قادرة على الزواج أو الخروج من السجن أو الخروج من مأوى للعنف الأسري دون موافقة ولي أمرها الذكر -– الذي غالبًا ما يكون الأب أو الأخ أو أي قريب ذكر آخر.
وفي حين أن المرأة السعودية تتمتع الآن بالقدرة على العمل والدراسة والسفر والحصول على جواز سفر وتحديث البيانات الشخصية دون إذن ولي الأمر، إلا أن نظام الولاية لا يزال قائمًاً إلى حد كبير. تتناقض هذه الإصلاحات التدريجية - التي تحققت بعد سنوات من النشاط الحازم من قبل النساء السعوديات الساعيات إلى تحقيق استقلالية قانونية أكبر - تناقض بشكل صارخ مع الواقع القاسي المستمر. في الآونة الأخيرة، في اليوم العالمي للمرأة في عام 2022، تم تقديم قانون الأحوال الشخصية وتطبيقه في 18 يونيو[30] .. وقد وصف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومسؤولون آخرون القانون بأنه "شامل" و"تقدمي". ومع ذلك، لا يزال التشريع يدعم الممارسات التمييزية[31] ويتضمن أحكامًا يمكن أن تؤدي إلى تفاقم العنف الأسري والاعتداء الجنسي في إطار الزواج[32] .. تمنح أحكام القانون الغامضة للقضاة سلطة تقديرية واسعة، مما قد يؤدي إلى أحكام غير متسقة. وفي حين أنه يحدد سنًّا أدنى للزواج، فإنه يواصل دعم نظام ولاية الرجل، حيث يُشترط على المرأة، على عكس الرجل، الحصول على موافقة الولي الذكر على الزواج وتوثيق عقد الزواج. إن استمرار مثل هذه القيود القانونية يتناقض بشكل صارخ مع الصورة التقدمية التي تُعرض على الصعيد الدولي، مما يوضح الفجوة كبيرة بين الخطاب الإصلاحي والواقع اليومي الذي تواجهه المرأة السعودية.
في السعودية، كثيرًا ما تواجه النساء اللاتي يدافعن عن حقوقهن إجراءات عقابية صارمة. فعلى سبيل المثال، في عام 2020، اعتُقلت سلمى الشهاب[33]، وهي طالبة دكتوراه في جامعة ليدز، خلال زيارة عائلية في السعودية، وصدر بحقها حكم شديد بالسجن لمدة 27 عامًا وحظر السفر بسبب تغريداتها الداعمة لحقوق المرأة. وعلى نحو مماثل، حُكم على نورة القحطاني[34] بالسجن 45 عامًا والمنع من السفر بسبب تغريداتها التي تنتقد فيها ممارسات حقوق الإنسان السعودية وتدعو إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين. علاوة على ذلك، في عام 2022، واجهت منهل العتيبي[35] تداعيات بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي التي أظهرتها بدون عباءة بالإضافة إلى دعوتها إلى تخفيف قواعد اللباس وتفكيك نظام ولاية الرجل. هذه ليست حالات معزولة بل تمثل جزءًا من حملة قمع أوسع نطاقًا تستهدف حتى طالبات المدارس الثانوية[36]، اللاتي يتعرضن أيضًا للعقاب القاسي بسبب نشاطهن السِّلْمي. إن هذا النمط من القمع لا يكشف فقط المخاطر التي يواجهها أولئك الذين يتحدون الوضع الراهن السائد، بل يثير أيضًا شكوكًا كبيرة على مزاعم الحكومة السعودية المعلنة بشأن النهوض بحقوق المرأة.
على مدار سنوات، قام النظام السعودي باعتقال وسجن وإصدار أحكام على المدافعات عن حقوق المرأة اللاتي عارضن نظام ولاية الرجل أو ناضلن من أجل المساواة في الحقوق. وحتى بعد إطلاق سراحهن، لا يزال العديد من هؤلاء الناشطات يواجهن حظر السفر وقيودًاً شديدة على حريتهن في التعبير[37]. ورغم تحقيق تقدم طفيف للنساء في البلاد، إلا أن العديد من الناشطات اللاتي ناضلن بلا كلل من أجل هذه الحريات، بما في ذلك لجين الهذلول[38]، ما زلن يواجهن قيودًاً صارمة. وعلى الرغم من أن الهذلول لم تعد مسجونة، إلا أنها لا تزال تواجه حظر السفر وقيودًاً صارمة أخرى. ومع أنها كانت من أبرز المناصرات لإلغاء الممارسات التقييدية مثل: حظر قيادة السيارات ونظام ولاية الرجل، إلا أنها عانت من تُهم سياسية بسبب نشاطاتها، بما في ذلك الاحتجاجات السلمية والنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أفعال تعتبرها السلطات السعودية مثيرةً للفتنة. وهذا التباين بين الإنجازات الإصلاحية المعلنة والقمع المستمر للأصوات المنادية بهذه التغييرات يثير سؤالًاً عميقًاً: كيف يمكن المطالبة بإصلاح حقيقي في ظل إسكات الأصوات المطالبة به؟
اشتد قمع حرية التعبير بشكل كبير منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة في عام 2015. وقد امتدت هذه الحملة القمعية إلى ما هو أبعد من المدافعين عن حقوق الإنسان فقط، حيث تستهدف كل من يتجرأ على انتقاد الحكومة أو معارضتها. وبحلول منتصف عام 2021، كان جميع المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء حقوق المرأة والصحفيين المستقلين والكُتّاب وغيرهم من المعارضين قد واجهوا الاحتجاز التعسفي أو تعرضوا لمحاكمات مطولة وغير عادلة، أو أُطلق سراحهم فقط ليخضعوا لقيود قاسية تحد من حقوقهم في النشاط السلمي. أما أولئك الذين حالفهم الحظ بمغادرة المملكة قبل السجن - وهو مصير لا يُنظر إليه على أنه "محظوظ" إلا في ظل ظروف قاسية - فقد سعوا بشكل متزايد إلى اللجوء إلى الخارج منذ صعود ولي العهد إلى السلطة[39]. في المقابل، تواجه النساء الشجاعات اللاتي بقين على مواصلة دفاعهن عن حقوق المرأة تداعيات قاسية، بما في ذلك التعذيب في السجون السعودية الذي يشمل الصعق بالكهرباء والضرب والجلد والتحرش الجنسي[40]. تتناقض هذه الظروف القاسية بشكل صارخ مع الصورة التقدمية التي تسعى السعودية إلى تسويقها دوليًّا. ومن ثم يبرز السؤال المقلق: هل هذا هو شكل تمكين المرأة الذي تدعي السعودية أنها تناصره؟ وكيف يمكن السعي إلى التمكين بصدق عندما يقابل المطالبون بمثل هذه التغييرات بعقاب شديد؟
بحلول عام 2023، ظل الوضع قاتمًا. حيث استمرت النساء السعوديات في مواجهة الضغوط المزدوجة للتوقعات المجتمعية - التي تعتبرهن حارسات لشرف العائلة - والممارسات في مكان العمل التي تهمشهن. إن الأدوار التقليدية كأمهات وزوجات وبنات ومسؤولية الحفاظ على شرف القبيلة لا تحد من فرص عملهن فحسب، بل تصبغ أيضًاً تصوراتهن لبيئات عملهن، حتى في الأماكن التي يختلط فيها الجنسان. وتؤثر المعايير الثقافية والمجتمعية المتجذرة التي تضع المرأة في المقام الأول كمقدمة رعاية بشكل عميق على تجاربها المهنية. فبدلًا من مجرد وضع النساء في أدوار داخل منظمات ومجتمعات تمييزية بطبيعتها، يجب أن تكون هناك أنظمة قوية لحماية هؤلاء النساء وتعزيز تطورهن. ويجب أن يتخطى التمكين الحقيقي مجرد الرموز الرمزية، بما يضمن مساهمة عمل المرأة بشكل هادف في نموها المهني والشخصي.
فالتمكين الحقيقي لا يُبنى بالمراسيم التي تُفرض من أعلى، بل ينبع من فاعلية المرأة الذاتية، ومن الحراك الشعبي المستمر الذي يناضل من أجل التغيير من الداخل. وعلى خلاف الصورة النمطية التي يروج لها الإعلام الغربي، فإن المرأة السعودية ليست مجرد ضحية سلبية لواقعها، بل فاعل رئيس في تشكيل مصيرها. وتبرز الحركة النسوية السعودية فعاليتها على مستويات مختلفة: فعلى أرض الواقع، يقدم المعلمون والأطباء والعاملون في المجال الخيري المساعدة السرية للنساء المعنفات ويبلغون عن حالات الاعتداء. وفي الوقت نفسه، توسع الناشطات الصّاخبة نطاق مناصرتهن للحرية والمساواة إلى خارج الحدود السعودية، متحديات للقيود الثقافية والسياسية. ولتحقيق التمكين الحقيقي للمرأة، من الضروري خلق بيئات تعزز حرية التعبير، حيث يمكن للنساء التعبير عن مخاوفهن والتعاون على إيجاد حلول تلبي احتياجاتهن على أفضل وجه. وفي نهاية المطاف، فإن تبني الديمقراطية، بما تتضمنه من احترام متأصل للأصوات المتنوعة والحقوق الفردية، أمر ضروري لضمان تمكين المرأة في السعودية واستدامته.
المصادر:
[1] بي بي سي نيوز، "انتهاء الحظر السعودي على قيادة المرأة للسيارة رسميًا"، 24 يونيو 2018.
[2] بيثان ماكيرنان، "المملكة العربية السعودية 'تخطط لتخفيف قوانين الوصاية الذكورية'، صحيفة الغارديان، 11 يوليو 2019.
[3]رؤية السعودية 2030. 2019.
[4] مضاوي الرشيد. 2018. إرث سلمان. مطبعة جامعة أكسفورد.
[5] مضاوي الرشيد 2021. الملك الابن. مطبعة جامعة أكسفورد.
[6] بوكانان، إميلي. "النساء فقط للعمل في محلات الملابس الداخلية في السعودية." بي بي سي نيوز، 4 يناير 2012.
[7] مريم الدوسري، وسوزان ميرفي. 2023. "الإدماج في عين الناظر: تحليل علائقي لدورالعقلانيات الأخلاقية الجنسانية في السعودية".
[8] "استكشاف ارتفاع مشاركة المرأة السعودية في القوى العاملة." معهد الشرق الأوسط.
[9] مريم الدوسري وسارة شودري، "التمايز الجندري في المملكة العربية السعودية: دراسة سياسات الدولة والثقافة الأبوية في سوق العمل." النوع الاجتماعي والعمل والتنظيم، 2024.
[10] مريم الدوسري، وسارة شودري، وأهو تاتلي، وكاثرين سايرستاد. 2021. "نساء رمزيات يحاولن التوفيق بين التناقضات المستحيلة بين التوقعات التنظيمية والمجتمعية".
[11] "المرأة السعودية: الإبحار في الحرب والسوق." 2017. مركز الشرق الأوسط. 18 ديسمبر 2017.
[12] كوكس، جوزي. "هدفي هو التسابق في أعلى مستويات رياضة السيارات": ريما الجفالي، أول سائقة سباقات محترفة في المملكة العربية السعودية، تخلق ضجة حقيقية." التلغراف. 13 أكتوبر 2019.
[13] كولبيبر، تشاك. 2016. "في السعودية المحافظة، البطلة الأولمبية لعام 2012 سارة عطار ترى بوادر التغيير".
[14] مراسل صحيفة الغارديان. 2013. "امرأة سعودية في تسلق تاريخي لجبل إيفرست." الغارديان. الجارديان.
[15] أخبار من أماكن أخرى 2014. "المملكة العربية السعودية: أول امرأة تحصل على رخصة طيار".
[16] خان، شايستا "ضحى عبد الله العطيشان: تعرّفوا على أول رئيسة طهاة في المملكة العربية السعودية." ذا ناشيونال. 19 أكتوبر 2019.
[17] جريتن، ديفيد. "أول رائدة فضاء عربية تصل إلى محطة الفضاء." بي بي سي نيوز، 22 مايو 2023.
[18] "تعيين أول امرأة سعودية في منصب نائب وزير العمل والتنمية الاجتماعية." عرب نيوز. 27 فبراير 2018.
[19] فرانس برس، وكالة الأنباء الفرنسية. "المملكة العربية السعودية تعين أول سفيرة لها في الولايات المتحدة". الجارديان، 24 فبراير 2019.
[20] الإنجليزية، العربية. "السعودية تعين 10 نساء في مناصب عليا في رئاسة الحرمين الشريفين". العربية الإنجليزية. 16 أغسطس 2020.
[21] وكالة الأنباء الفرنسية. "افتتاح أول دار سينما في المملكة العربية السعودية منذ أكثر من 35 عامًا مع فيلم Black Panther" الغارديان. 20 أبريل 2018.
[22] سميث، ليديا. "المملكة العربية السعودية تستضيف أول حفل غنائي لفنانة استعراضية على الإطلاق |الإندبندنت". الإندبندنت. 9 ديسمبر 2017.
[23] براونينج، أوليفر. "النساء والفتيات ينضممن إلى الموكب لأول مرة في مهرجان "شتلاند" للنار في شتلاند". تلفزيون الإندبندنت. 31 يناير 2024.
[24] ألفا غريد. 2019. "الوصول إلى جميع الأوبرا: المملكة العربية السعودية تستثمر في الأوبرا الأصلية".
[25] مضاوي الرشيد 2021. الملك الابن. مطبعة جامعة أكسفورد.
[26] رويترز. 2023. "عدد سكان السعودية 32.2 مليون نسمة، 63% من السعوديين دون سن الثلاثين، حسب التعداد السكاني". رويترز، 31 مايو 2023، ثانية. الشرق الأوسط. https://www.
[27] "كيف أصبح مهرجان الرياض للوحوش في الرياض مهرجاناً موسيقياً استثنائياً لا مثيل له." 2023. عرب نيوز. 3 أكتوبر 2023. https://www.
[28] بي بي سي نيوز. 2018. "انتهاء الحظر السعودي على قيادة المرأة للسيارة رسميًا." بي بي سي نيوز، 24 يونيو 2018. https://www.
[29] ماكرنان وبيثان ومراسل الشرق الأوسط. "المملكة العربية السعودية 'تخطط لتخفيف قوانين ولاية الرجل'". الجارديان، 11 يوليو 2019.
[30] "السعودية تقنن ولاية الرجل والتمييز بين الجنسين" منظمة العفو الدولية. 9 ديسمبر/كانون الأول 2022.
[31] "المملكة العربية السعودية: قانون الأحوال الشخصية الذي تم الترويج له كثيراً يميز ضد المرأة - موجز جديد." منظمة العفو الدولية..
[32] ستاك، ميغان ك. "رأي | الغرب يخدع نفسه بشأن حرية المرأة في السعودية". نيويورك تايمز، 19 أغسطس 2022.
[33] "الحكم على الأكاديمية السعودية سلمى الشهاب بالسجن 27 عامًا |منّا لحقوق الإنسان" 2021.
[34] "نورة القحطاني تقضي حكماً بالسجن 45 عاماً بسبب تغريدات على تويتر |منّا لحقوق الإنسان". 2021.
[35] "المملكة العربية السعودية امرأة سعودية مسجونة بسبب تغريدات عن حقوق المرأة: مناهل العتيبي." منظمة العفو الدولية.
[36] "المجتمع المدني يكرر دعوته للسلطات السعودية للإفراج عن الناشطات الحقوقيات المسجونات" 2024.
[37] "لا يمكنك المغادرة ولن نخبرك بالسبب: حظر السفر في المملكة العربية السعودية". منظمة العفو الدولية. 1 مايو/أيار 2022.
[38] "محاكمة ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة بشكل غير عادل."
[39] تمارا قبلاوي، "حملة القمع التي يقودها محمد بن سلمان تؤدي إلى ارتفاع في أعداد اللاجئين السعوديين". سي إن إن.
[40] "المملكة العربية السعودية: تسريب تفاصيل جديدة عن التعذيب المزعوم" هيومن رايتس ووتش. 2021.